فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (202):

قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وصف المتقون الذين هم العلماء ملوحًا إلى نصح وليهم لهم، وعرف من حالهم أنهم أعداء الشيطان، وعرف أن أضدادهم أولياؤه؛ أتبعه وصف الجاهلين وغش أوليائهم لهم والكل غير متقين، فقال: {وإخوانهم} أي وإخوان الجاهلين من شياطين الإنس والجن {يمدونهم} أي يمدون الجاهلين، من المد وهو الإمهال والإطالة على قراءة الجماعة، وهو بمعنى قراءة أهل المدينة بالضم من الإمداد، وقال الواحدي: إن هذا أكثر ما يأتي فيما يحمد كأمددناهم بفاكهة، فهو من استعمال الشيء في ضده نحو {فبشرهم بعذاب}، وكأنه يشير إلى أن الشيطان أكثر ما يأتي الإنسان في صورة الناصح الشفيق، والأوجه أن يكون الإخوان الجاهلين لأنهم في مقابلة {الذين اتقوا} ويكون الضمير للشيطان المراد به الجنس، أي وإخوان الشياطين- وهم الجاهلون الذين لا يتقون- يمدهم أولياؤهم من الشياطين {في الغي} وهو ضد الرشاد، وأشار إلى مزيد اعتنائهم بالإغواء ومثابرتهم على الإضلال والإغراء بأداة التراخي فقال: {ثم لا يقصرون} أي لا يتركون إغواءهم ولو لحظة لجهلهم وشرهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ في الغى}.
ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
اختلفوا في أن الكناية في قوله: {وإخوانهم} إلى ماذا تعود على قولين.
القول الأول: وهو الأظهر أن المعنى: وإخوان الشياطين يمدون الشياطين في الغي، وذلك لأن شياطين الأنس إخوان لشياطين الجن، فشياطين الإنس يغوون الناس، فيكون ذلك إمدادًا منهم لشياطين الجن على الإغواء والإضلال.
والقول الثاني: أن إخوان الشياطين هم الناس الذين ليسوا بمتقين، فإن الشياطين يكونون مددًا لهم فيه، والقولان مبنيان على أن لكل كافر أخًا من الشياطين.
المسألة الثانية:
تفسير الإمداد تقوية تلك الوسوسة والإقامة عليها وشغل النفس عن الوقوف على قبائحها ومعايبها.
المسألة الثالثة:
قرأ نافع {يَمُدُّونَهُمْ} بضم الياء وكسر الميم من الإمداد، والباقون {يَمُدُّونَهُمْ} بفتح الياء وضم الميم، وهما لغتان مد يمد وأمد يمد، وقيل مد معناه جذب، وأمد معناه من الإمداد.
قال الواحدي، عامة ما جاء في التنزيل مما يحمد ويستحب أمددت على أفعلت، كقوله: {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون: 55] وقوله: {وأمددناهم بفاكهة} [الطور: 22] وقوله: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} [النمل: 36] وما كان بخلافه فإنه يجيء على مددت قال: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15] فالوجه هاهنا قراءة العامة وهي فتح الياء ومن ضم الياء استعمل ما هو الخير لضده كقوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الإنشقاق: 24] وقوله: {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} قال الليث: الإقصار الكف عن الشيء قال أبو زيد: أقصر فلان عن الشر يقصر إقصارًا إذا كف عنه وانتهى قال ابن عباس: ثم لا يقصرون عن الضلال والإضلال، أما الغاوي ففي الضلال وأما المغوي ففي الإضلال. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: إخْوَانُ الشَّيَاطِينِ فِي الضَّلَالِ يَمُدُّهُمْ الشَّيْطَانُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إخْوَانُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الشَّيْطَانِ.
وَسَمَّاهُمْ إخْوَانًا لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الضَّلَالَةِ، كَالْإِخْوَةِ مِنْ النَّسَبِ فِي التَّعَاطُفِ بِهِ وَحُنَيْنِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ لِأَجْلِهِ، كَمَا سَمَّى الْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} لِتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَاصُلِهِمْ بِالدِّينِ؛ فَأَخْبَرَ عَنْ حَالِ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ فِي بَصِيرَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِقُبْحِ مَا يَدْعُوهُ إلَيْهِ وَتَبَاعُدِهِ مِنْهُ وَمِنْ دَوَاعِي شَهَوَاتِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى ذِكْرِهِ.
وَهَذِهِ الِاسْتِعَاذَةُ تَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِقَوْلِهِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ بِالْفِكْرِ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَفِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَمَا يَئُولُ بِهِ إلَيْهِ الْحَالُ مِنْ دَوَامِ النَّعِيمِ فَيَهُونُ عِنْدَهُ دَوَاعِي هَوَاهُ وَحَوَادِثُ شَهَوَاتِهِ وَنَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ بِهَا.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالِاسْتِعَاذَةُ بِهِ فَقَالَ: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونِ} فَكُلَّمَا تَبَاعَدُوا عَنْ الذِّكْرِ مَضَوْا مَعَ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَغَيِّهِ غَيْرَ مُقْصِرِينَ عَنْهُ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم ذكر حال الكفار فقال عز وجل: {وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ في الغى} يعني: إخوان الشياطين يمدونهم أي: يدعونهم إلى المعصية.
ويقال: يلجونهم في الشرك والضلالة.
{ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} عنها كما أقصر المسلمون عنها حين أبصروها.
قرأ نافع {يَمُدُّونَهُمْ} بضم الياء وكسر الميم من أمَدَّ يُمِدّ.
وقرأ الباقون {يَمُدُّونَهُمْ} بالنصب من مَدَّ يَمُدُّ.
قال بعضهم: هذا عطف على قوله: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ} {وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ في الغى}.
وقال الزجاج: معناه التقديم.
والمعنى لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون {وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ في الغى} يعني: الشياطين والغي: الجهل والوقوع في الهلكة. اهـ.

.قال الثعلبي:

ثم ذكر الكفار فقال: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي} يعني إخوان الشيطان وهم الكفار يمدهم الشياطين في الغي حتى يطبلوا لهم ويزيدوهم في الضلالة.
وقرأ أهل المدينة: يمدونهم بضم الياء وكسر الميم وهما لغتان بمعنى واحد. وقرأ الجحدري بما دونهم على يفاعلونهم.
{ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} أي لا يشكون ولا ينزغون. وقال ابن زيد: لا يسأمون ولا يفترون.
قال ابن عباس: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا الجن ممسك عنهم.
وقرأ عيسى بن عمر: يَقصُرون بفتح الياء وضم الصاد وقصَر وأقصَر واحد. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي} الآية، في هذه الضمائر احتمالات، قال الزجاج: هذه الآية متصلة في المعنى بقوله: {ولا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون} [الأعراف: 192].
قال القاضي أبو محمد: في هذا نظر، وقال الجمهور: إن الآية مقدرة موضعها إلا أن الضمير في قوله: {وإخوانهم} عائد على الشياطين والضمير في قوله: {يمدونهم} عائد على الكفار وهم المراد بالإخوان، و{الشيطان} في الآية قبل هذه للجنس فلذلك عاد عليهم هاهنا ضمير جميع فالتقدير على هذا التأويل وإخوان للشياطين يمدونهم الشياطين في الغي، وقال قتادة إن الضميرين في الهاء والميم للكفار.
قال القاضي أبو محمد: فتجيء الآية على هذه معادلة للتي قبلها أي إن المتقين حالهم كذا وكذا وهؤلاء الكفار يمدهم إخوانهم من الشياطين ثم لا يقصرون، وقوله: {في الغي} يحتمل أن يتعلق بقوله: {يمدونهم} وعليه يترتب التأويل الذي ذكرنا أولًا عن الجمهور، ويحتمل أن يتعلق بالإخوان فعلى هذا يحتمل أن يعود الضميران جميعًا على الكفار كما ذكرناه عن قتادة ويحتمل أن يعودا جميعًا على الشياطين ويكون المعنى وإخوان الشياطين في الغي بخلاف الأخوة في الله يمدون الشياطين أي بطاعتهم لهم وقبولهم منهم، ولا يترتب هذا التأويل على أن يتعلق في الغي بالإمداد لأن الإنس لا يغوون الشياطين، والمراد بهذه الآية وصف حالة الكفار مع الشياطين كما وصف حالة المتقين معهم قبل، وقرأ جميع السبعة غير نافع {يمدونهم} من مددت، وقرأ نافع وحده {يُمدونهم} بضم الياء من أمددت، فقال أبو عبيدة وغيره: مد الشيء إذا كانت الزيادة من جنسه وأمده شيء آخر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا غير مطرد، وقال الجمهور هما بمعنى واحد إلا أن المستعمل في المحبوب أمد فمنه قوله تعالى: {إنما نمدهم به من مال وبنين} [المؤمنون: 55] وقوله: {وأمددناهم بفاكهة} [الطور: 22] وقوله: {أتمدونني بمال} [النمل: 36] والمستعمل في المكروه مد فمنه قوله تعالى: {ويمدهم في طغيانهم} [البقرة: 15] ومد الشيطان للكفرة في الغي هو التزيين لهم والإغواء المتتابع: فمن قرأ في هذه الآية: {يمُدونهم} بضم الميم فهو على المنهاج المستعمل، ومن قرأ {يمدونهم} فهو مقيد بقوله في الغي كما يجوز أن تقيد البشارة فتقول بشرته بشر، وقرأ الجحدري {يمادّونهم}، وقوله: {ثم لا يقصرون} عائد على الجمع أي هؤلاء لا يقصرون في الطاعة للشياطين والكفر بالله عز وجل، وقرأ جمهور الناس {يُقصرون} من أقصر، وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بن عمر {يَقصرون} من قصر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}.
قوله تعالى: {وإخوانهم} في هذه الهاء والميم قولان:
أحدهما: أنها عائدة على المشركين؛ فتكون هذه الآية مقدَّمة على التي قبلها، والتقدير: وأعرض عن الجاهلين، وإخوان الجاهلين، وهم الشياطين.
{يمدُّونهم في الغَيِّ} قرأ نافع: {يمدونهم} بضم الياء وكسر الميم.
والباقون: بفتح الياء وضم الميم.
قال أبو علي: عامة ما جاء في التنزيل فيما يُحمَد ويُستَحب: أمددت، على أفعلت كقوله: {أتمدونن بمال} [النمل: 36] {أنما نمدهم به من مال} [المؤمنون: 55] {وأمددناهم بفاكهة} [الطور: 22] وما كان على خلافه يجيء على: مددت، كقوله: {ويمدهم في طغيانهم} [البقرة: 15]؛ فهذا يدل على أن الوجه فتح الياء؛ إلا أن وجه قراءة نافع بمنزلة {فبشِّرهم بعذاب أليم} [التوبة: 34] قال المفسرون: {يمدونهم في الغي} أي: يزيِّنونه لهم، ويريدون منهم لزومه، فيكون معنى الكلام: أن الذين اتَّقَوا إذا جرَّهم الشيطان إلى خطيئة، تابوا منها، وإخوان الجاهلين، وهم الشياطين، يمدُّونهم في الغي، هذا قول الأكثرين من العلماء.
وقال بعضهم: الهاء والميم ترجع إلى الشياطين، وقد جرى ذكرهم لقوله: {من الشيطان} فالمعنى: وإخوان الشياطين يَمدُّونهم.
والثاني: أن الهاء والميم ترجع إلى المتقين؛ فالمعنى: وإخوان المتقين من المشركين، وقيل: من الشياطين يمدونهم في الغي، أي: يريدون من المسلمين أن يدخلوا معهم في الكفر، ذكر هذا القول جماعة منهم ابن الأنباري.
فإن قيل: كيف قال: {وإخوانهم} وليسوا على دينهم؟ فالجواب: أنا إن قلنا: إنهم المشركون، فجائز أن يكونوا إخوانهم في النسب، أو في كونهم من بني آدم، أو لكونهم يظهرون النصح كالإخوان؛ وإن قلنا: إنهم الشياطين، فجائز أن يكونوا لكونهم مصاحبين لهم، والقول الأول أصح.
قوله تعالى: {ثم لا يقصرون} وقرأ الزهري، وابن أبي عبلة: {لا يقصِّرون} بالتشديد.
قال الزجاج: يقال: أقصر يُقْصِر، وقصّر يقصِّر.
قال ابن عباس: لا الإنس يقصِّرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تُقصِر عنهم؛ فعلى هذا يكون قوله: {يقصرون} من فعل الفريقين، وهذا على القول المشهور؛ ويخرّج على القول الثاني أن يكون هذا وصفًا للإخوان فقط. اهـ.